يحاول البعض جاهدين إبراز أي عيوب أو أخطاء في الكتاب المقدس في محاولة لإثبات نقص المسيحية وعدم دقتها، ويجد هؤلاء من نشيد الإنشاد فرصة لا تقاوم للاعتراض على المسيحية، وفي الحقيقة لا أعلم تماما ولا أدرك سبب تلك الاعتراضات، فمن يقرأ هذا السفر ويفهمه جيدا سيرى بأنه فخرا للكتاب المقدس والمسيحية وليس عارا كما يعتقد البعض. ويعتبر سفر نشيد الإنشاد احد أسفار العهد القديم وكتبه الملك سليمان، وسمي بهذا الاسم باعتباره أفضل الأناشيد، تماما كما نقول رب الأرباب أو باطل الأباطيل بمعنى أعظمها، وكان أتباع الديانة اليهودية يقرأونه في اليوم الثامن من عيد الفصح تقربا من الله وحبا له بعدما أنقذهم من فرعون بخروف الفصح، ويقدم هذا السفر علاقة حب بين حبيب وحبيبته مما شجع الكثيرين على إطلاق أصابع الاتهام إليه لا بد في البداية من الإشارة إلى وجود مدرستين لتفسير هذا السفر، الأولى تفسره تفسيرا حرفيا وأما الثانية فإنها تعتمد على التفسير الرمزي له، وأما الاعتراضات فأبرزها بأنه لا يليق بتاتا بالله تعالى أن يتكلم بكلام الغزل، فهل يعقل بنظرهم أن يقول الله "ليقبلني بقبلات فمه" (1: 2) !! ولكن يبدو بأن البعض قد نسي التفريق بين كلام الله المباشر وغير المباشر، نسي أو تناسى البعض بأن الله ينقل لنا أحيانا كلام مباشرا منه مثل قوله "أنا الرب إلهكم" وينقل أحيانا كلام غير مباشر على لسان البعض مثل "كل ابن يولد تطرحونه في النهر" وهذا حوار منقول على لسان فرعون وليس على لسان الله، فالله لا يدعونا لطرح كل الأبناء في النهر، وهذا التفريق بين النصوص موجود بكل الكتب الدينية، فسفر نشيد الإنشاد عبارة عن نقل لحوار بين اثنين وليس حوار على لسان الله. أما الاعتراض الثاني فيتلخص بأن الله لا يمكن أن ينقل لنا حوار يحتوي على كلمات حب بين اثنين، ولكن ما الخطأ من أن يعلمنا الله الطريق السليم للتعبير عن الحب الحلال من خلال نقل قصة بين معشوقين؟ فنحن نؤمن بأن الله خلقنا وخلق بنا الغرائز الجنسية، فان خلقها لنا ما المشكلة بتعليمنا كيفية استغلالها وتوجيها بالطرق الحلال؟
وان أراد الله أن يعبر عن الحب فلم يجد أفضل من هذا الكلام؟ وهنا سؤالي لكم هل يوجد أفضل من كلام الحب لنقل لنا التعاليم المختصة بالغرائز الجنسية؟ فليس العيب هنا بالكلمات وإنما العيب يكمن في أفكارنا وضمائرنا. أليس الحب جزء من الدين؟ فهل يكون تعليم الحب مخالفا للدين؟ اعتراض آخر يتغنى به البعض، ويكمن بالسؤال التالي "هل يمكن أن تقرأ عزيزي القارئ هذا الكلام أمام أمك أو أختك" ولنتمعن في هذا السؤال، لنفترض بأنك ذهبت لأحد الأعراس وبالمباركة قلت للعريس "الرب أعطى والرب أخذ" أو ذهبت لعزى وقلت لوالد الفقيد "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويصيران جسدا واحدا" هل يعقل ذلك! بالطبع لا يعقل لأنه لا بد ان نراعي المناسبات التي تقرئ بها الآيات، وكذلك نشيد الإنشاد، فهو كلام يعلمنا الحب بين الزوج وزوجته، ولذلك غالبا ما تستخدم هذه الآيات حتى عند اليهود في أوقات الزواج. فالله عَلم الرجل ما يقول لامرأته بالزواج وعلمه كيف يحب أخته ويكرم أمه. لا بد أن يتعرض كل كتاب ديني للاعتراض والنقد، وأنا لا أقف ضد ذلك، ولكن النقد لا بد أن يبنى على أسس ومعايير علمية واضحة، فالشخص قبل أن يبدأ بالنقد عليه أن يبدأ بالقراءة، وينتقد بناءا على قراءته، وليس بناءا على ما تعلمه وحفظه وتلقنه